رغم ظهوره في الستينات الميلادية، إلا أنه لم يجد له فضاءات تليق به في مداراتنا التعليمية، ولا يزال التعامل معه على أنه ثانوي وغير مؤثر في الميدان التعليمي … اليونسكو كمنظمة تقع في دائرة اهتماماتها ” التربية الإعلامية ” عرفت له على أنه “المنهج الذي يتعلم من خلاله الأفراد التعامل مع وسائل الإعلام ومصادر المعلومات، والوصول إليها ، وبما يتيح لهم فهم هذه الوسائل والقدرة على نقدها والمشاركة في إنتاج المحتوى الإعلامي والمعلوماتي” .
وفي كتاب صدر حديثا بعنوان ” دور التربية الإعلامية في تدعيم القيم الاتصالية “، للأستاذة حنان بنت سليمان العجاجي، المشرفة بوزارة التعليم بإدارة الإعلام والاتصال، أوضحت فيه دور التربية الإعلامية في تدعيم القيم الاتصالية لدى طلاب التعليم العام، وعرفت في كتابها التربية الإعلامية بأنها هي بناء الفكر الاتصالي لدى الطالب، بالشكل الذي يجعله مدركاً لجوانب العملية الاتصالية وأبعادها وتنمية المهارات الاتصالية من مهارات القراءة والاستماع ثم الكتابة والحوار، بالإضافة إلى بناء التفكير النقدي للعملية الإعلامية مع مراعاة أنها عملية تربوية مستمرة، واضعة في الاعتبار خصائص كل مرحلة من مراحل الدراسة اعتباراً من رياض الأطفال وحتى المرحلة الثانوية، بما يتفق مع نظام وسياسة وأهداف التعليم بالمملكة .
وقد بينت في كتابها الجديد، أنه من خلال عدد من الدراسات ذات العلاقة، معاناة كثير من طلاب التعليم العام من عدد من المشكلات الاتصالية والتي تظهر في سلوكياتهم والناتجة من الافتقار إلى مهارات التفكير النقدي وتأثير الصورة الذهنية في تفسير مضمون الرسالة وعدم القدرة على فهم الهدف من الرسالة الإعلامية .
فالتربية الإعلامية كما نتصفحها في فصول الكتاب، ليست فقط استخدام الإعلام في التدريس في الفصول بل تعليم الطلاب أيضاً كيف يؤثر الإعلام وكيف يمكن التعايش مع وجهات النظر المختلفة في المجتمع، وتمكين الطلاب من الاستخدام الواعي للإعلام وفهم مقاصد شركات الإعلان التي تغرق القنوات التليفزيونية بالإعلانات، وبدلاً من التقبل الأعمى للرسائل الإعلامية التجارية، يصبح لدى الطلاب وعي نقدي بمضامينها … كما يشير إلى أن التربية الإعلامية ليست نسخة مطورة من الإعلام التربوي، ولا تفريعاً منه ولا بديلاً عنه، كما أنها ليست مصطلحاُ مرادفاً للإعلام المدرسي أو التعليمي، فهي قبل ذلك منهجية تربوية اجتماعية جديدة، فرضتها التطورات الإعلامية للتحصين وتمكين المتعلم من التعلم المستمر من خلال التعامل المستمر مع مصادر المعلومات المتدفقة باستمرار، وتأهيله للحياة الاجتماعية والسياسية، وأن التربية الإعلامية ليست تعليماً إعلامياً محضاً، فهي قبل ذلك منهجية تربوية اجتماعية، لتنمية التفكير النقدي وتحصين الطلبة، وتنمية مهارات التعليم الذاتي والمهارات التواصلية للتعبير عن الذات وإعداد الطلبة لمواجهة المستجدات العصرية والمشاركة الاجتماعية الفعالة في عصر الإعلام وتطوراته المتجددة التي تحاصر حياتنا .
وتطرق الكتاب إلى وجود حركة نشطة لتقديم الثقافة الإعلامية لطلاب المدارس، تأتي مع تصاعد أهميتها على الصعيد المجتمعي والتربوي، وظهرت عدة مداخل لتدريس وتعليم هذه الثقافة، أهمها المدخل الجمالي، والمدخل الأخلاقي، ومدخل التحصين والحماية، ومدخل وسائل الإعلام الإبداعية، ومدخل الشراكة المجتمعية، ومدخل الترفيه الإعلامي، كما تعددت وجهات النظر حول الاستراتيجيات أو الأساليب المناسبة لتفعيل برامج التربية الإعلامية. ففي الوقت الذي ينادي فيه البعض بضرورة أن يتعلم الطلاب مهارات التربية الإعلامية من خلال مادة أو مقرر خاص بالتربية الإعلامية، ينادي البعض الآخر بدمج التربية الإعلامية في المنهج بدلاً من تقديمها في مادة منفصلة .
ويأتي في الكتاب الإشارة إلى وجود معوقات إدارية أو فنية أو مادية وبعض المشكلات التي تحول دون تحقيق فاعلية هذه التربية، والتأكيد على تطبيق التربية الإعلامية وفق الامكانيات المتاحة للتصدي للتأثيرات السلبية لوسائل الإعلام بشكل عام وتطبيقات الإعلام الجديد بشكل خاص والتي أصبحت ملازمة للفرد بشكل يومي .
ويدون الكتاب مكتب التربية العربي لدول الخليج العربي كأول من وطد وأصل مفهوم الثقافة الإعلامية باللغة العربية وهو الوحيد الذي بنى منهجا متكاملا من الصف الأول إلى الثاني عشر، كما يرصد حرص المملكة ممثلة في وزارة التعليم على أخذ زمام المبادرة في نشر مفهوم التربية الإعلامية على مستوى قارة آسيا والخليج العربي وذلك باحتضانها “المؤتمر الدولي الأول للتربية الإعلامية 2007 ” والذي أقيم على مدى أربعة أيام في الرياض بمشاركة 3000 مشارك بخروج توصيات عدة تؤكد على أهمية التربية الإعلامية وإدراجها بالتعليم .
ويخلص الكتاب إلى دعوة المهتمين والخبراء في مجالي التربية والتعليم والإعلام للتعاون بهدف وضع مقرر دراسي للتربية الإعلامية يتناسب مع متطلبات كل مرحلة تعليمية. بعد إعداد دراسات تجريبية عليه بناء على تصورات وتوصيفات مقررات التربية الإعلامية الناتجة من الدراسات العلمية، للوصول لأفضل صيغة يمكن تطبيقها في الميدان التربوي على أن يكون إدراج التربية الاعلامية على مرحلتين المرحلة الأولى يكون فيها تضمين التربية في المقررات والأنشطة الصفية، ومرحلة ثانية إدراجه كمقرر بعد إجراء العديد من الدراسات التجريبية عليه .