الدورات التدريبية ودوام المعلمين في الغرب بين الاختيار والإجبار

 

 

 

                                   g-st-hd (1).png

بداية لابد من التأكيد على أنه ليس كل ما يأتي من الغرب دوما أفضل، كما يجدر التنبيه إلى أن مشاكل التعليم في العالم كله متشابهة إلى حد بعيد، حتى الصور النمطية عن المعلم الذي يستمتع بعطلات طويلة، ودوام يومي قصير، يكررها السياسيون وأولياء الأمور في غالبية الدول، وكذلك النقاش حول ما إذا كان من الضروري إلزام المعلمين –مهما طالت سنوات خبراتهم- بحضور دورات تدريبية أم لا، وهل ينبغي أن يأتي المعلمون إلى المبنى المدرسي أثناء عطلات الطلاب؟ لعل نظرة إلى خارج الحدود تسهم في إثراء النقاش لدينا حول ذلك.
قواسم مشتركة رغم الاختلافات
اتفقت دول الاتحاد الأوروبي منذ البداية على أن يظل التعليم شأنا خاصا بكل دولة على حدة، ولذلك نجد اختلافات كبيرة بين هذه الدول الثماني وعشرين، فعلى سبيل المثال لا الحصر يبلغ مجموع عدد أيام العطلة المدرسية للطلاب في بلغاريا 102 يوما في السنة، في حين تقتصر أيام العطلة في التشيك على 56 يوما فقط، ويبلغ متوسط أيام العطلة في كل دول الاتحاد الأوروبي 78 يوما في السنة، ويبرر البعض ذلك التباين الشديد بحالة الطقس، بحيث لا يجلس الطلاب في صفوف غير مجهزة للتقليل من درجة الحرارة، أو بسبب تدني رواتب المعلمين بشدة، وضرورة إتاحة المجال لهم لممارسة عمل إضافي، لمواجهة تكاليف الحياة.
ولكن السنوات الأخيرة شهدت مبادرات أوروبية عديدة للإسهام في تطوير التعليم، وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في مشروعات مشتركة، من خلال التبادل الطلابي والتوسع في تعلم اللغات الأجنبية، وتبادل الخبرات في القضايا التي تمس جوهر العملية التعليمية، حتى ولو اقتصر الأمر على توجهات عامة، وتوصيات غير ملزمة للدول الأعضاء فيها، خاصة وأن بعض الدول الأوروبية لا تمتلك وزارة تعليم مركزية واحدة، بل تترك هذه الصلاحيات لحكومات المقاطعات والولايات المختلفة، بحيث نجد داخل الدولة الواحدة أكثر من 15 نظاما تعليميا.
في السطور التالية سنتناول الملامح المشتركة لقضية الدورات التدريبية للمعلمين في مختلف الدول الأوروبية، دون الخوض في تفاصيل كل دولة أو مقاطعة على حدة، وكذلك مسألة العطلات المدرسية، وما إذا كان المعلمون الأوروبيون يتمتعون بنفس المدة التي يحصل عليها الطلاب.
أنظمة الدورات التدريبية للمعلمين
من خلال نقاشات مع خبراء تعليم ومعلمين من دول أوروبية عديدة، وبعد الاطلاع على الكثير من اللوائح القانونية بشأن الدورات التدريبية للمعلمين، يمكن القول إجمالا بأن غالبية الدول تلزم المعلمين بحضور هذه الدورات، لكن عددا قليلا منها يفرض عقوبات على من لا يقوم بذلك.
ويوضح خبراء التعليم الأوروبيين بأن الإحصائيات تشير إلى أن حوالي 80 في المائة من المعلمين الأوروبيين يقبلون على هذه الدورات، وذلك إما لأنهم يؤمنون بأهمية هذه الدورات في تطوير مهاراتهم وقدراتهم التربوية والعملية، الأمر الذي يجعل منهم معلمين أفضل، أو لأنهم يدركون أنها السبيل الأمثل للترقي، والحصول على درجات وظيفية أعلى، كما أنها تزيد من فرصهم، إذا تقدموا إلى وظائف أفضل في مدراس أخرى، أو لأنهم لا يرغبون في التعرض للمساءلة بسبب عدم الحضور، والذي قد يصل الأمر في أسوء الأحوال إلى إنهاء عقود عملهم.
من بين الأمثلة الكثيرة التي ترد في القوانين التعليمية، تفرض بعض الدول ألا يقل عدد الأيام التي يحضرها المعلم سنويا في دورات تدريبية عن ثلاثة أيام، يستمر الدوام فيها خمس ساعات يوميا على الأقل، ويمكن للمعلم في حالة الضرورة تعويض النقص في هذه الدورات في إحدى السنوات، في العام التالي، بشرط أن يتحقق هذا النصاب  خلال أربع سنوات، بمعدل 12 يوما، أي ما يعادل مجموعه 60 ساعة.
وتشترط الأنظمة التعليمية الأوروبية أن يكون حضور المعلم في هذه الدورات التدريبية خارج أوقات الدوام الرسمي، وتفضل أن يكون ذلك في أثناء العطلات المدرسية المخصصة للطلاب، وإذا تعذر ذلك فتكون في عطلة نهاية الأسبوع، أو بعد نهاية الدوام المدرسي، وتحث على عدم جواز غياب المعلم عن حصصه، لحضور هذه الدورات إلا في أضيق نطاق، وبعد موافقة مدير المدرسة، والقسم الذي يضم زملاءه في التخصص الدراسي، والذين سيضطرون للنيابة عنه في التدريس.
وتحتسب فترة الدورات التدريبية، كأوقات عمل، ويحصل المعلم على تعويض عن مصاريف التنقل، ورسوم الدورات، بشرط أن تكون الجهة التي توفر هذه الدورات، معترف بها من وزارة التعليم، ويعمل بها مدربون معتمدون، ويفضل أن تكون في منطقة قريبة من المدرسة، بحيث لا تتحمل المدرسة تكاليف إضافية مقابل الإقامة، ويتحمل المعلم نسبة محدودة من هذه التكاليف.
محتوى الدورات بين الواقع والمأمول
يمكن القول إجمالا إن هناك نوعين من الدورات، وهما:
الأول: يرتبط بالمؤسسة التعليمية، فيراعي احتياجات المدرسة التي يعمل فيها المعلم، مثل الرغبة في التوسع في التعليم باستخدام الكمبيوتر، أو وجود توجه للربط بين التخصصات المختلفة لتناول نفس الموضوع، وكيفية التنسيق بين المعلمين في ذلك، أو لتعليم الطلاب الفكر النقدي، من خلال النقاش وإتقان فن المناظرة.
الثاني: ويرتبط بتطوير المعلم ذاته، وينقسم بدوره إلى جانبين:
أ‌) إما بتنمية قدراته التربوية، والتعرف على طرق التدريس الحديثة، وكيفية الابتكار في الدرس، وربط المادة الدراسية بالحياة اليومية، لجذب اهتمام الطلاب، وجعل المادة العلمية مشوقة لهم، وتعزيز روح المشاركة الفعالة لديهم.
ب‌) أو بتطوير معارفه العلمية، من خلال التعرف على الجديد في المادة التعليمية التي يقوم بتدريسها، وما استجد فيها منذ غادر مقاعد الدراسة الجامعية، أثناء تأهيله كمعلم.
من الناحية النظرية يبدو ذلك منطقيا، فتطوير التعليم يحتاج إلى أن ترتقي المؤسسة التعليمية ككل، وأن يطور المعلم نفسه، وبعدها من المفترض أن يصبح الوضع أفضل، لكن بعض خبراء التعليم، يرسمون صورة سلبية لواقع هذه الدورات في بعض الدول، فيرون أنها لا تحقق المأمول منها على الإطلاق، ويبررون ذلك بالأسباب التالية:

– تتصف غالبية هذه الدورات بالعمومية والشمولية، ولا تركز على الوضع الخاص لكل مدرسة أو لكل معلم، لأنها تسعى لاجتذاب أكبر عدد من المدارس والمعلمين، وبالتالي فإن الفائدة تكون محدودة، أو ربما حتى معدومة في بعض الحالات.
– القائمون على هذه الدورات كثيرا ما يكونوا ماهرين في الجوانب النظرية، لكنهم بعيدون عن الواقع اليومي للمدارس والمشاكل التي تعاني منها.
– تقتصر مشاركة المعلم في هذه الدورات على الحضور، ولا يحتاج المعلم في نهايتها لإثبات استفادته منها ولا تعلمه أي شيء جديد، وليس مضطرا للمشاركة الفعالة فيها، لأنه يصعب عليه نفسيا أن يعود إلى مقعد الطالب، بعد أن اعتاد أن يكون هو من يقوم بالشرح.
– تقام غالبية هذه الدورات خارج المدرسة، ولذلك فإن الحاضرين فيها يأتون من مدارس مختلفة، فتتعدد الأهداف والتوقعات والاحتياجات، الأمر الذي يجعل تلبيتها وتحقيقها جميعا أمرا غير ممكن.
– يضطر المعلم أن يقتطع من عطلته الصيفية أو غيرها من العطلات لحضور هذه الدورات، مما قد يتسبب في التأثير سلبا على خططه لقضاء العطلة مع أسرته، فيأتي لكن على مضض.
– عدم ضمان حصول المعلم على فائدة مادية مباشرة من جراء حضور هذه الدورات، فلا يمكن ضمان الترقي أو الحصول على علاوة، الأمر الذي يقلل من حماس بعض المعلمين.
يشدد هؤلاء الخبراء على أن ذلك ليس دعوة على الإطلاق لوقف هذه الدورات التدريبية، بل إلى وضع تصورات جيدة منذ البداية لضمان تحقق الأهداف منها، ويقترحون ما يلي:
– قبل البدء في هذه الدورات، لابد من تأهيل مدربين على درجة عالية من الاحتراف، والإلمام بأحدث ما وصلت إليه الأبحاث في المجالات التربوية والعلمية، وضمان امتلاكهم موهبة عالية في تحفيز المعلمين لتقبل التغيير والتطوير، والاستفادة من هذه الدورات من خلال المشاركة الكبيرة للمعلمين فيها، وعدم اقتصار دورهم على الإنصات.
– تأسيس الدولة لمعاهد تطوير المعلمين لتوفير هذه الدورات، مع السماح للقطاع الخاص بإنشاء معاهد أخرى، لتعزيز روح التنافس بينها، وبالتالي توفير بدائل أمام المدرسة والمعلم، لاختيار أفضلها.
– إقناع المعلمين بالأهمية الكبرى للدورات التدريبية، في الانتقال بالعملية التعليمية من الشكل التقليدي الروتيني، الذي أثبت فشله، والذي لا يعاني منه الطلاب وحدهم، بل المعلمون أيضا، الذين لا يجدون في المناخ السائد ما كانوا يسعون إليه من القيام بدور فعال، في بناء جيل جديد، قادر على التعامل مع ثورة المعلومات، وابتكار الحلول المناسبة للقرن الحادي والعشرين.
– التعرف على الاحتياجات الفعلية للمدارس والمعلمين، قبل وضع البرامج لهذه الدورات، وحبذا لو أقيمت الدورات في داخل المدارس، بعد دراسة مستفيضة للأوضاع فيها، ثم تقديم الحلول والاقتراحات البناءة لتطوير هذه الأوضاع الخاصة بالمدرسة وبكل معلم فيها.
– ربط حضور هذه الدورات التدريبية والمشاركة فيها، بالتقويم السنوي للمعلم، مثل تخصيص نقطتين من بين ثمان نقاط، تحدد مدى قدرة المعلم على الاستمرار في هذه الوظيفة، وجدوى تجديد عقد العمل معه، من عدمه.
– لابد أن يكون هناك تنسيق بين كل الجهات القائمة بتقديم دورات تدريبية للمعلمين، تنطلق من الخطط التي وضعتها وزارة التعليم، لكيفية تطوير التعليم في الدولة ككل، الأمر الذي لا يعني فرض محتوى موحد على كافة المدارس والمعلمين، بل يرسم فقط الخطوط العريضة لتوجهات التعليم، مثل تشجيع الطلاب على الابتكار، من خلال عدم تقديم أسئلة تقليدية، ذات إجابات موحدة في الاختبارات، بل يكون هناك مجال رحب للعديد من الإجابات، طالما كان الطالب قادرا على تبرير وجهة نظره، أو الطريقة التي سلكها في حل المسألة.
– وجود آليات لتقويم هذه الدورات باستمرار وأداء المدربين، والسعي الدائم لتطوير قدرات هؤلاء المدربين، ووقف أي دورات يثبت عدم جدواها.
تجربة من الميدان
أحد المعلمين الأوروبيين قال إن كل من يعرفهم من زملائه يقبلون على هذه الدورات التدريبية، ولا يحتاجون إلى من يفرض عليهم ذلك، وحتى من لا يجدون بغيتهم في دورة منها، فإنهم لا يتوقفون عن الحضور على أمل أن تكون التالية أفضل، لأنهم على قناعة بأن الوقت الذي سيحتاجونه في التوصل إلى أفكار مبتكرة بمفردهم، سيكون أضعاف الوقت الذي ستستغرقه الدورة.
ويضيف المعلم واسمه دكتور “مارتين فوس”، أنه لا يتخيل أن يمر عام، دون أن يحضر مثل هذه الدورات، لأنه يريد الاحتفاظ بمكانته، فهو يتمتع بسمعة ممتازة بين الطلاب، ويثني أولياء الأمور على عمله باستمرار، لأنهم يرون أن أبناءهم يترقبون حصته، ويستعدون لها بحماس، لأنه يمنحهم الفرصة لإثبات قدراتهم على التحليل والعرض والاستنتاج، وهو ما يفتقدونه في كثير من الحصص، التي يعمل فيها المعلمون بصورة روتينية، تعتمد على نص الكتاب المدرسي، وتمارينه فقط.
ينتقد د. فوس قرارات بعض الدول بتكليف مدراء المدارس بمتابعة مدى التزام المعلمين بهذه الدورات التدريبية، أولا لأن المعلم ينبغي أن ينطلق من دوافع ذاتية، والتي بدونها لا فائدة من هذه الدورات أو غيرها من الإجراءات، وثانيا لأن مدراء المدارس عندهم مهام لا حصر لها، وليس من المنطقي زيادة أعبائهم بمثل هذه الأمور، يرى أن يتولى رئيس القسم هذه المهمة، خاصة وأن هناك تقليد متبع في الكثير من المدارس، وهو أن يقوم كل معلم حصل على دورة تدريبية، بنقل هذه الخبرات إلى زملائه، في إطار اجتماعات القسم.
العطلة المدرسية والمعلم
مادام الطلاب ليسوا في المدرسة، فلماذا تصر السلطات التعليمية على حضور المعلمين، وكأن المطلوب منهم أن يحرسوا المبنى، أو يحضروا من أجل الحضور فقط، ودون أي جدوى من ذلك؟ هذا ما يتردد في كثير من الدول، نفس الشكاوى من المعلمين، خصوصا وأن دوامهم يستمر في الكثير من الدول الأوروبية في الأسبوع الأول من العطلة الصيفية للطلاب، ويعودوا أسبوعين إلى المدارس قبل انتهاء هذه العطلة.
يبرر بعض المعلمين رغبتهم في الحصول على العطلة الصيفية بأكملها بأنهم يعملون في المتوسط 26 حصة أسبوعيا، وإذا أضيفت إليها ساعات المناوبة وتصحيح الاختبارات والرحلات المدرسية، واجتماعات أولياء الأمور، والاجتماعات المدرسية، واجتماعات القسم، علاوة على التوسع الكبير في ظاهرة مدرسة اليوم الكامل، فإن متوسط عدد ساعات العمل لا تقل عن 50 ساعة أسبوعيا، وهو ما يفوق متوسط عدد ساعات العمل في أي مؤسسة حكومية، أو حتى في القطاع الخاص، والتي لا تزيد عن 38 ساعة.
ويوضح هؤلاء المعلمون أن كل العطلات التي تقع أثناء العام الدراسي، خارج العطلة الصيفية، لا يستفيد منها المعلم أبدا، لأن أنظمة التعليم في الكثير من دول أوروبا تنص على توزيع الاختبارات على مدار العام، وعدم الاقتصار على اختبارات نصف العام ونهايته، بل تكون شبه أسبوعية أو كل أسبوعين على أقصى تقدير، وبعض الاختبارات يصل عدد صفحات الإجابة عليها إلى عشرين صفحة، ويكون المعلم مطالبا بأن يقرأ كل كلمة، ويكتب تقريرا مفصلا لكل طالب يوضح له مبررات العلامة التي حصل عليها، ونقاط القوة ونقاط الضعف، واقتراحات تحسين المستوى.
لكن غالبية المعلمين يدركون تماما أن نهاية العام الدراسي للطلاب، توفر لهم الفرصة لاستكمال ما تأخر من أعمال، لم يقدروا على القيام بها أثناء وجود الطلاب، وذلك في الأسبوع الأول من العطلة الصيفية للطلاب، من إنجاز التقارير المطلوبة منهم، والتخلص من الأوراق التي لم يعودوا في حاجة لها، وترتيب المواد التعليمية التي استخدموها طوال العام الدراسي المنصرم، وتقييم العمل الذي تم، ووضع اقتراحات لتطويره في العام الدراسي القادم، ووضع تصور مبدئي للعام الدراسي الجديد، والاستعداد للرحلات الطلابية أثناء العطلة الصيفية، مثل رحلات ممارسة اللغات الأجنبية في دولة أخرى، أو رحلات طلابية إلى دول العالم الثالث، للتعرف على الأوضاع لديهم من خلال التبادل الطلابي، وغير ذلك كثير من المهام التي لا يمكن القيام بها، أثناء العام الدراسي.
أما الأسبوعان الأخيران في العطلة الصيفية للطلاب، واللذان يسبقان العام الدراسي الجديد، فإن حضور المعلمين فيهما ضروري، للانتهاء من الجدول الدراسي للصفوف، طبقا لآخر مستجدات الأوضاع عن المعلمين الموجودين، والاطلاع على التعليمات الواردة من السلطات التعليمية حول الخطط الدراسية للعام الجديد، ووصول الكتب المدرسية، -وكثير منها يتم شراؤه من دور النشر الخاصة، ليستعيرها الطلاب، ويعيدوها في نهاية العام الدراسي، للاستفادة منها في السنوات القادمة-، والتأكد من توفر المواد اللازمة في مكتبة المدرسة، والمعامل والملاعب الرياضية، واستقبال الطلاب الجدد الراغبين في الالتحاق بالمدرسة، وإجراء اختبارات تحديد مستوى لهم.
كذلك يوضع جدول اجتماعات أولياء الأمور، والرحلات المدرسية، والاحتفالات والأنشطة التي ستقام في العام الدراسي الجديد، وغير ذلك كثير من الحياة المدرسية النابضة بالنشاط والحياة، والتي تربط المدرسة بالمجتمع المحيط.
وفي المقابل, بعض المدارس تجبر المعلمين على الحضور قبل الطلاب بساعة, لأجل فصول علاجية أحيانا, أو لأجل اجتماع معلمين مع الإدارة للتخطيط لليوم الدراسي, وكذلك بعض المدارس يجبرون المعلمين على الجلوس ساعة بعد انصراف الطلاب, لأجل عصف ذهني لما حدث في اليوم, وتحديد خطط علاجية وتطويرية للغد, وكل ذلك يتم في يوم المعلم الدراسي الطويل, بل إن بعض المدارس الخاصة في أوروبا تجبر المعلمين على الدوام في يوم السبت, لأجل أمور إدارية وتنظيمية خاصة بالمدرسة بعيدة عن الجو الطلابي الذي يستهلك وقت المعلم بالكامل خلال أيام الدراسة.
ختاما:
ما يجب إدراكه أن تطوير التعليم، يحتاج إلى ميزانيات خاصة، لتمويل تأسيس معاهد تدريب المعلمين، وتوفير الكفاءات اللازمة، علاوة على القيام بدراسات وأبحاث عن مدى استفادة المعلمين خاصة والمدارس عامة بهذه الدورات، وانعكاس ذلك على تحسن مستوى الطلاب، وارتفاع جودة التعليم، من خلال زيارات مفاجئة للمدارس والصفوف، وبحث مدى تطبيق أحدث ما وصل إليه التعليم في طرق التدريس، إضافة إلى التوقف تماما عن تعيين أشخاص لم يحصلوا على المؤهلات التربوية والتعليمية اللازمة للقيام بمهمة التدريس، أملا في تطوير مهاراتهم من خلال الدورات التدريبية، لأن جوانب القصور لديهم، أعمق من أن يتم معالجتها خلال سويعات أو أيام قلائل كل عام.
أما بالنسبة لدوام المعلمين في العطلات الصيفية، فرغم كل التقدير للجهد الكبير للمعلم، والساعات الإضافية التي لا يمكن حصرها، والتي يقضيها طوال العام الدراسي في التحضير الجيد للدروس، وهو الأمر الذي يستغرق أضعاف وقت الدرس، وكل الأعباء التي يتحملها، فإن من يؤمن بالرسالة التي يحملها المعلم على كاهله، يدرك تماما أنه لا مفر من الحضور إلى المدرسة، في جزء لا يستهان به من العطلة الصيفية، التي يتمتع بها الطلاب، لأنه مؤتمن على مستقبل طلاب، يصعب أو يستحيل كسب اهتمامهم، وتأهيلهم للمستقبل، دون جهود هائلة، واستعداد كبير لكل عام دراسي، قبل أن يبدأ بكثير، وليس بعد أن يكون الطلاب في الصفوف.
المؤكد أن المعلم ركيزة أساسية في رؤية 2030 وفي كل خطط التطوير والتحديث، والانطلاق إلى مستقبل أفضل، لكن المؤكد أيضا أن كل ذلك يتطلب نظرة مختلفة إلى هذه الوظيفة، التي تتطلب ألا يتوقف فيها المعلم عن التعلم واكتساب المهارات الجديدة، حتى ينقل كل ذلك إلى طلاب، ينتظرون منه أن يزودهم بالمهارات التي تساعدهم على مواجهة تحديات لا يعرف أحد كيف سيكون شكلها، لكل ليس هناك بديل عن التطوير، فالأمم التي تسكن وتقبع في مكانها، تتخلف عن الركب، وهو ما لا يمكن القبول بحدوثه، وسوف تكشف اختبارات تقويم التعليم (بيزا) في السنوات القادمة، ما استطاع معلمو المملكة تحقيقه من تطوير. فهل يستحق هذا الهدف أن يتحمل المعلم السعودي من أجله كل هذا العناء والجهد؟

         b                    g-st-hd (2).png

 

المصدر