تذكرة ركوب.

الموضوع: لديك تطابق!
إلى: BlueDot2093@habitat7.com.titan
من: no-reply@XenoSynergy.com
نسخة إلى: mission-control@xizhong.com.au
اللعنة! اعتقدتُ أنني ألغيتُ هذا الحساب منذ أسابيع. من الأفضل لهم أن يكونوا قد توقفوا عن إرسال فواتير إليَّ، وإذا كانت هذه عملية احتيال أخرى تتعلق بعقارات على كوكب نبتون، فإنني سوف …
مرحبًا دوروثي. أنا مدير التوظيف في مشروع “شي جونج” لبناء مستعمرة خارج المجموعة الشمسية. يسعدني أن أبلغك بأن العيِّنة الجينية التي قدمتها مطابقة للمواصفات المحددة من قِبَلنا.
عيِّنة ماذا الآن؟ انتظري … لقد رأيت هذا الشعار من قبل: السلحفاة السوداء التي تحمل في فمها ريشة بيضاء. كان مندوبو هذا المشروع يتجولون بجوار ميناء سان فرانسيسكو الفضائي، ويعطون الناس ريش بجعة بيضاء، مقابل مسحات من خدودهم. لقد استدعوني لإجراء فحوص لاحقة مدفوعة الأجر، وحضور “ندوة الرؤية” بعد شهرين. كنتُ بحاجة إلى المال.
في النهاية، كنتُ فقط أنتظر فرصتي، حتى حصلت على تذكرة الخروج من هذه الكرة المغبرة.
اعتاد جدي الأكبر – الذي عاش 80 سنة تحت وطأة موجات الجفاف والعواصف – أن يقول لي: “تحلي بالصبر يا دوت؛ ففي النهاية، تفضي الأشياء المختلفة إلى النتيجة نفسها. ربما سيأتي الشخص المناسب يوما ما، أليس كذلك؟”
لم أكن أبحث عن الشخص المناسب. الشيء المناسب، من الناحية الأخرى …
بسبب حادث وقع أثناء اندفاع كوكب المشتري، صار لدينا فجأة مكان شاغر في طاقم الصيانة. وأنت المرشح الوحيد الذي يَسمح له موقعه بأن يلتقي بنا أثناء التحليق بالقرب من زحل، دون أن نضطر إلى تغيير مسار رحلتنا.
قاومت فضولي للبحث على الإنترنت عن تفاصيل هذا الحادث.
لا تتعجلي. دعينا نمنح مشروع “شي جونج” فرصة؛ فمن يدري متى ينتشلني الفارس الأبيض التالي – أو البجعة البيضاء التالية – مما أنا فيه؟
يرجى اتباع الرابط أدناه، والإشارة بالموافقة على شروط العقد.
تبقى الوعود هي الأساس. فقَبْل عام، تحدثت في طريقي إلى القمر تيتان مع شارون، التي أَقْسَمَتْ أنها تعرف شخصًا يمكنه تدبير مرافئ تنقلنا إلى “ألفا سنتوري”. كنتُ قد أنفقت كل مدخراتي على العبَّارات الداخلية، لكن في النهاية، كانت هناك فرصة واحد فقط. وقالت شارون في رسالتها الموجزة إنها كانت متأكدة من أنني سأَتَفَهَّم.
كنتُ قد أقسمت لجدي الأكبر أنني لن أتزوج أبدًا، وها أنذا معزولةً في غرفة معادلة الضغط.
أوافق أنا المُوَقِّع أدناه، وأنا في كامل قواي العقلية والبدنية، على الشروع – عن علم – في رحلة أحادية الاتجاه إلى القمر الثاني لكوكب ” الدجاجة 16 بي بي”.
كان الناس الذين عادوا إلى المدينة يسمونها منصة إطلاق حفلات الزفاف؛ فبدون صناديق ائتمانية، أو معدلات ذكاء مرتفعة، أو اتصالات نجمية، كان التناسل هو السبيل الوحيد للخروج من النظام الشمسي. قد لا تكون الأفضل والأذكى، لكن أطفالك ربما يكونون كذلك. الأطفال! كلمة تشير إلى أعداد هائلة. تحتاج المستعمرة إلى مستعمرين، ولذا.. فإن إجراءات التشغيل القياسية لأي سفينة متجهة إلى مستعمرة باردة كانت تقتضي أن يصبح جميع الإناث حوامل بمجرد أن يشعرن بالدفء، وأن يظللن كذلك على مدى العقود القليلة التالية.
أعهد بممتلكاتي الأرضية إلى البعثة الاستعمارية التابعة لمشروع “شي جونج”، وهي شركة خاصة ذات مسؤولية محدودة، تبدأ وصايتها على ممتلكاتي في لحظة المغادرة. ستكون فُلك البذور هي الشيء الوحيد الذي أملكه، وأتعهد بحمايته بأي ثمن. أبرأ من الإيمان بأي آلهة، أو قوانين أرضية. لا يوجد خلاص، إلا بيدي، ولا يوجد حساب، إلا من خلال غرفة التحكم التابعة للبعثة.
فُلك! اللعنة..! لا أريد أن أكون مُخَلِّصة البشرية. أريد فقط أن أَجِد مخرجًا من هنا.
أتفهَّم أن المدار المنحرف للكوكب قد تَنْتُج عنه فصول شتاء، تقل درجة حرارتها عن -250 درجة مئوية، وفصول صيف تزيد درجة حراراتها عن 750 درجة مئوية؛ ولا يمكن ضمان بقائي على قيد الحياة في ظل هذه الظروف.
لا شيء مضمون في هذه الحياة.
لقد أخبرني جدي الأكبر أن الجميع سيغادر المدينة، إنْ عاجلًا، أم آجلًا. لقد غادرَتْ جدتي مع الرئيس التنفيذي لشركة شمسية ناشئة، كان سيجعلها ترى العالم. وقد عادت بكدمات، وبين ذراعيها أبي. سَعَى أبي ليأخذنا جميعًا إلى المريخ؛ للمساعدة في تحويله إلى كوكب شبيه بالأرض؛ لكنني كنتُ في الرابعة من عمري آنذاك، ولم تكن أمي لتذهب معه وتتركني وحدي. ظَلَّ أبي يراسلنا على البريد الإلكتروني لمدة ثلاث سنوات، إلى أنْ انقطعت رسائله.
أثناء ذلك كله، كان جدي الأكبر يقيم في المنزل الريفي القديم، يحسب حصص المياه، ويشاهد تقارير الطقس على مَرّ الفصول. وبينما اتخذَتْ مغامراتنا مسارات مختلفة، ظل هو كما هو. كان مِن المفترَض أن تمر سنتان أو ثلاث قبل العودة إلى الأرض، لكنني لم يساورني شك في أنني إذا عُدْتُ، سأجد جدي الأكبر جالسًا في الشرفة الأمامية، يتناول فنجان القهوة المخصَّص له، وهو يشاهد شروق الشمس.
أبرأُ من الأرض الأم، المهد الفاسد للجنس البشري. وأَقْبَل بأنّ الأرض قد أحلَّت بنفسها الدمار، وهي تمنحنا قبلة الحياة. وأَقْبَل – عن علم – الريشة البيضاء، وأخطو نحو السواد.
ذات مرة، قال جدي الأكبر إنّ الريشة البيضاء رمز الجبن. البشرية تثبت على موقفها.
لا أعرف اللغة الصينية، لكنني سمعت في مكان ما أن الأبيض هو لون الموت، والأسود هو لون البقاء. أحيانًا، تكون الطريقة الوحيدة للتمسك بما هو مهم هي أن ترمي النرد، وتجرِّب حظك.
أكرِّسُ نفسي لإنتاج بشرية جديدة؛ بشرية أفضل؛ بشرية لن تستنزف كوكبها حتى الموت.
حام إصبعي حول زِرَّي “القبول”، و”الإلغاء”.
نظرتُ إلى تيتان عبر النافذة؛ فرأيت طينًا باهتًا، يشبه تربة جافة في حقل مجدب.
هل كانت ثمة غاية خفية، مدفونة في مكان ما داخل هذا الضباب النيتروجيني، في مكانٍ ما داخل هذا التماثل الجليدي؟
وراء تيتان، برز النور والظلام في تناقض واضح.
كان الموت منتظرًا هناك، لكنّ شيئًا آخر.. شيئًا هادئًا وجادًّا اخترَق الفراغ. ربما كان صوت جدي الأكبر.
“في النهاية، تفضي الأشياء المختلفة إلى النتيجة نفسها”.
في الصيف، أو في الشتاء.
في السراء، أو في الضراء.
في الغنى، أو في الفقر.
نَقْرَة.
المصدر