ثماني طرق توضح كيف تستفيد المختبرات من أداة مراسلة أماكن العمل ذائعة الصيت.

عندما يصل عالِم الوراثة دانييل ماك آرثر إلى مختبره، فإن أول ما يفعله هو تشغيل “سلاك” Slack، وهو تطبيق مخصص للمراسلة في مكان العمل. إذ يُجري من خلال هذا النظام استعراضًا سريعًا لمئات الرسائل والملفات التي يرسلها له العلماء الثلاثة والعشرون العاملون في المختبر عبر قنوات مختلفة، البعض يقدم له تقارير عن المشروعات، والبعض الآخر يطلب منه المساعدة. أرسل أعضاء المختبر أكثر من 400 ألف رسالة عبر “سلاك” منذ شهر أبريل 2014، وهو ما يقرب من 500 رسالة يوميًّا. وبالنسبة لماك آرثر -الذي يعمل في معهد برود، التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد في كمبريدج بولاية ماساتشوستس- فإن هذا التطبيق قد أحال إلى التقاعد الكثير من الوسائل الأخرى -وعلى الأخص البريد الإلكتروني- التي اعتاد أعضاء مختبره استخدامها في السابق للتواصل بشأن الأوراق البحثية والمشروعات.
يقول ماك آرثر: إن البريد الإلكتروني “وسيلة مريعة فعلًا، وله آثار كارثية على التواصل الجماعي”. إذ يكتظ صندوق بريده الإلكتروني بما يقرب من 17.500 رسالة غير مقروءة، تجمع في مزيج فوضوي ما بين إعلانات، وإشعارات إدارية، وغيرها من الطلبات العشوائية الأخرى. أما “سلاك”، وعلى العكس من ذلك، فيتميز بأنه مُركَّز؛ والسبب في ذلك أن أيّة رسالة موجودة عليه، من المؤكد أنها واردة من أحد أعضاء الفريق، ومن ثَم فإن نسبة الانتباه إليها عالية. وفي معظم الأيام، يستطيع ماك آرثر الانتهاء من جميع الرسائل غير المقروءة. ويقول “أصبحت أكثر انضباطًا فيما يخص قدرتي على مواكبة الأحداث أولًا بأول”.
“إنها طريقة سريعة بشكل مذهل لبناء التوافق في الآراء”
لا يُعَد مختبر ماك آرثر المجموعة العلمية الوحيدة التي تُثني على فاعلية “سلاك”، والذي جرى إطلاقه منذ ثلاث سنوات، فهذا التطبيق حاليًّا يتباهى بأن أكثر من ثلاثة ملايين مستخدم نشط يستخدمونه بصفة يومية على مستوى العالم، كما حقق التطبيق شعبية كبيرة بشكل سريع لدى المؤسسات الإعلامية وشركات التكنولوجيا. “سلاك”، الذي يُوصف بأنه “وسيلة المراسلة بين فرق العمل للقرن الحادي والعشرين”، هو عبارة عن منصة إلكترونية يمكن للمجموعات من خلالها مشاركة الملفات، والبيانات، والأخبار، بل والنكات فيما بينهم. ويُمكّن الجميع بصفة عامة من تتبُّع مهام العمل.
يتيح “سلاك” حسابات مجانية بشكل أساسي، ولكنه يتقاضى رسومًا من المستخدمين الذين يريدون تخزين أكثر من عشرة آلاف رسالة. وكما فعل مختبر ماك آرثر، فبإمكان المستخدمين إنشاء صفحاتهم الخاصة التي تعتمد على “الدعوات”، لنقُل مثلًا على الرابط “ mylab.slack.com”، وتنظيم المحادثات الدائرة بينهم إما في شكل قنوات عامة مفتوحة للجميع وقابلة للبحث أو خاصة مقتصرة على أشخاص بعينهم. يذكر كونراد كارزوسكي -وهو عالِم وراثة وباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراة بمختبر ماك آرثر- أن التطبيق يفسح المجال لإجراء عملية التواصل بشكل غير رسمي، وبطريقة أسهل كثيرًا من البريد الإلكتروني. ويضيف كارزوسكي: “إنني فقط أكتب ما يخطر ببالي كما لو كنا في محادثة حية وجهًا لوجه، ولكن عبر الإنترنت”.
ذلك الأمر تحديدًا، ذو قيمة كبيرة لمجموعات العمل المتفرقة عبر مواقع العمل أو مَن يعملون في نوبات عمل مختلفة. يقول جويوم ديلبيرج -وهو مهندس كمبيوتر بمختبر آي إم إس بوردو IMS Bordeaux بفرنسا- إنه يعمل أحيانًا في المختبر وفي أحيان أخرى من المنزل، وفي بعض المناسبات يعمل من مدينة أخرى. كذلك يقيم عضو آخر من أعضاء فريق العمل في مختبره في كندا. وهناك أيضًا تطبيق “ماتر موست” MatterMost، وهو بديل لـ”سلاك” يتميز بأنه مفتوح المصادر، اختاره ديلبيرج لإزالة أية مخاوف تتعلق بالخصوصية، يستطيع ديلبيرج التواصل بشكل مستمر مع زميله المذكور. إذ يوضح ديلبيرج: “يمكنك بسهولة الوصل بين الأشخاص عبر الدردشة المشتركة”.
يضيف ماك آرثر: إن تطبيق “سلاك” في حقيقة الأمر لا يقدم أي شيء تعجز تطبيقات المراسلة الأخرى عن تقديمه ولو بصورة جزئية، فالتطبيق لا شك لديه منافسون، مثل “ماتر موست” و”هيب تشات” HipChat المملوك لشركة أتلاسيان، إضافة إلى تطبيقات المراسلة الأخرى الأقدم مثل جوجل تشات Google Chat. ولكن بعض المختبرات على ما يبدو، وقعت في غرام “سلاك”، وإذ يشير باحثون إلى واجهة التطبيق التي تتميز بالبساطة والسلاسة، إلى جانب قدرة التطبيق على دمج “البوتس” bots، وهي النصوص المبرمجة (وتسمى أيضًا بالبرامج المساعدة) التي بإمكانها جلب المعلومات الخارجية إلى المنصة الآلية أو إطلاق برمجيات أخرى عند كتابة أوامر معينة.
فيما يلي ثماني طرق توضح كيف يستخدم العلماء “سلاك” في مختبراتهم حاليًّا:
صقل الأوراق البحثية
كان لتطبيق “سلاك” دور ملموس في العمل الذي قام به ماك آرثر وزملاؤه، في إحدى مطبوعات دورية Nature التي تناولت قاعدة بيانات رابطة تجميع الإكسوم، التي تُسمى اختصارًا ExAC، والتي تضم ما يقرب من ستين ألف تسلسل إكسوم بشري (M. Lek et al. Nature 536, 285–291; 2016). إذ أنشأ الفريق قناة مخصصة للمخطوطة البحثية الجاري تطويرها حينذاك، مما أتاح لأفراد المجموعة بأكملها المشاركة بآرائهم في النص والأرقام. كان أفراد الفريق يُعِدُّون الرسوم البيانية ويرسلونها على التطبيق ثم يقومون بتنقيحها بناءً على التعليقات الواردة من باقي أفراد المجموعة، وهي العملية التي كانت تتكرر في المعتاد بمعدل من 5 إلى 10 مرات في أقل من ساعة، كما استخدموا “سلاك” في اقتراح تعديلات في التنسيق، وفي النصوص المصاحبة للصور والمناهج الإحصائية. في نهاية الأمر، وجد الفريق أنه تم إرسال ما يقرب من عشرة آلاف رسالة على تلك القناة بمفردها، وفق ما يقول ماك آرثر. ومع ذلك كانت العملية لا تزال أسرع مما لو تمت مناقشة تلك التغييرات في الاجتماعات الأسبوعية مثلاً. إذ يقول: “إنها طريقة سريعة بشكل مذهل لبناء التوافق في الآراء بشأن موضوعات علمية غالبًا ما تكون معقدة وصعبة للغاية، وكان هذا هو الحال تحديدًا مع الورقة البحثية الخاصة بقاعدة بيانات” ExAC.
حضور المؤتمرات
يضم المختبر الخاص بالمهندسة النووية، كلير سوليفان، بجامعة إلينوي في أوربانا-شامبين، 28 شخصًا يشاركون مشاركة نشطة في استخدام تطبيق “سلاك”، من بينهم تسعة من طلاب الدراسات العليا، وباحث واحد من باحثي ما بعد الدكتوراة، وعدد من الطلاب الجامعيين، إلى جانب حفنة من خريجي المختبر. ينقسم تطبيق “سلاك” في هذا المختبر إلى سبع قنوات، فهناك قناة لكل مشروع من المشروعين الرئيسين اللذين يجريهما. وقناة خاصة بمستودع الملفات المعروف باسم GitHub، والأعمال العامة التي يتولاها المختبر، وقناة “عشوائية” لتبادل النكات أو “لطلب الطعام”، وقناة مخصصة لفريق إدارة المختبر. أما القناة الأخيرة -وفق ما تقول سوليفان- فهي مخصصة للمؤتمرات، وهي عبارة عن مكان يتبادل فيه الحاضرون النقاش بشأن المحاضرات، والملصقات، والأنشطة الاجتماعية، من دون إعاقة للمساهمات الأخرى، مع الحفاظ على مواكبة أعضاء المختبر المهتمين للمستجدات. وهناك فائدة أخرى تتمثل في أن سوليفان يمكنها تحديث محاضراتها وهي في الطريق إلى أي مكان. تقول: “من الممكن أن أكون في طائرة على ارتفاع 35 ألف قدم ويرسل إليّ الباحثون أرقامًا وبيانات تخص موضوع المحاضرة التي سألقيها”.
مراقبة التجارب
يستخدم جميع موظفي شركة جينجو بيووركس Ginkgo Bioworks المتخصصة في البيولوجيا التركيبية ببوسطن بولاية ماساتشوستس -والذين يزيد عددهم على مئة موظف- تطبيق “سلاك” من أجل “المراسلة والتحديثات الفورية”، وفق ما يقول مهندس البرمجيات دان كاهون. كما يستخدم أعضاء الفريق “سلاك” أيضًا لمراقبة دورات استخدام الأدوات البحثية؛ باستخدام برنامج مساعد مخصص لهذا الغرض تظهر من خلاله الرسائل المرسَلة إلى عنوان بريد إلكتروني معين، في مشاركات على قناة معينة من قنوات “سلاك”. ولا تتطلب عملية الدمج تلك برمجة خاصة، إذ إن روبوتات معالجة السوائل الخاصة بالشركة، التي تمثل محور سير العمل الخاص بها، لديها بالفعل القدرة على إرسال بريد إلكتروني عندما يطرأ تغيير على وظيفة معينة من وظائفها. ويمكن لأفراد الفريق ببساطة من خلال توجيه تلك الأنظمة لإرسال رسائلها إلى العنوان المناسب، تتبُّع أعمالهم من خلال حساب “سلاك” الخاص بالشركة. ومن ثَم -كما يقول كاهون- يمكن لعملية الدمج البسيطة تلك أن تصبح قوية بدرجة غير عادية، ويضيف: “لا نحتاج على سبيل المثال إلى كتابة نصّ لشرح ما يفعله الروبوت إذا كان ما يقوم به من وظيفة تساعدنا على فهم ذلك”.
بناء البرامج المساعدة المتخصصة
يتيح “سلاك” مجموعة كبيرة من البرامج المساعدة (انظر:slack.com/apps)، ولكن للباحثين أيضًا بناء البرامج الخاصة بهم (للحصول على درس تعليمي مفصل انظر: go.nature.com/2htqpgx ) فعلى سبيل المثال، أنشأ مطورو شركة جينجو بيووركس برنامجًا مخصصًا يتحكم في البوابات التي تعمل ببطاقات الدخول في مكاتب الشركة، وذلك لمساعدة المستخدمين الذين يتركون بطاقات الهوية الخاصة بهم دون قصد على مكاتبهم عند الدخول. يقول كاهون “بإمكان هؤلاء الأشخاص الدخول إلى “سلاك” وإرسال رسالة إلى البرنامج يكتبون فيها ’افتح الباب رقم 27 شرقًا، الباب الأمامي‘ ومن ثَم يُفتح الباب لمدة دقيقة، بالضبط مثلما يحدث عند استخدام البطاقة”.
تقدير إسهامات الزملاء
باستخدام البرنامج المساعد Bonusly يستطيع أعضاء فريق مختبر عالم البيولوجيا الحاسوبية كيسي جرين بكلية الطب في بيريلمان بجامعة بنسلفانيا في ولاية فيلادلفيا، التعرف على إسهامات الزملاء عن طريق نظام النقاط. فلنفترض أن أحد أعضاء المختبر أرسل سؤالًا إلى قناة معينة وقام عضو آخر بالإجابة عن ذلك السؤال. يمكن لموجه السؤال تقدير إسهام ذلك الشخص من خلال كتابة التالي على “سلاك”: “/منح [عدد النقاط] [اسم المستخدم] [السبب] [#هاشتاج]”. يقول جرين إن أحد أعضاء المختبر حصل على نقاط نظير تشجيع زملائه في العمل على أخذ تطعيمات الإنفلونزا. عادة ما يتم استخدام نقاط بونصلي للحصول على بطاقة هدايا. فمثلًا يستخدم جرين تلك النقاط لشراء وجبة غداء مجانية لأعضاء المختبر. يقول: “من اللطيف أن تتاح لك وسيلة لتقديم الشكر لأقرانك ومشاركة ذلك التقدير على قناة سلاك الرئيسة الخاصة بنا”.
وضع قوائم المهام المطلوبة
يتيح عدد من البرامج المساعدة على تطبيق “سلاك” (انظر على سبيل المثال: go.nature.com/2hifxps) للمختبرات، إدارة قوائم المهام المطلوبة وفقًا للقنوات وكذلك وفقًا للمستخدمين. يستخدم ناثان كلاك -كبير مطوري البرمجيات بشركة فيدريو تكنولوجيز للتصوير الدماغي في آشبورن بولاية فيرجينيا- نظامًا مدمجًا داخل البرامج. ما عليك سوى كتابة: “/ذكّرني أن أتفحص الحاضنة الساعة الرابعة عصرًا” وسوف يرسل تطبيق “سلاك” تنبيهًا لك في الوقت المحدد لذلك. كذلك يمكن للمستخدمين تحديد وسائل تذكير لأعضاء الفريق الآخرين أو لقنوات بكاملها: مثال: “/ذكِّر @جيف بتفحص الحاضنة الساعة الرابعة عصرًا” بل وحتى توجيه النظام لتذكير الأعضاء الآخرين بمطالعة رسالة معينة، لنقل مثلًا خلال 24 ساعة. يقول كلاك: “هذا أمر مفيد للغاية. إنني أحب ذلك”.
تزويد أعضاء المختبر الجدد بالمعلومات
تتميز قنوات سلاك بأنها قابلة لعمليات البحث، مما يجعل من السهل إحاطة أعضاء المختبر الجدد، أو غيرهم من المهتمين الذين يعملون في مشروعات أخرى، بالمستجدات الخاصة بدراسة معينة، وفق ما يقول جليب كوزنتسوف، وهو طالب دكتوراة يدرس هندسة الجينوم والمعلوماتية الحيوية بمختبر جورج تشيرتش في كلية هارفارد للطب في بوسطن. ما عليك سوى أن تجعل أعضاء المختبر ينضمون إلى القناة المناسبة وأن يشرعوا في القراءة. ويضيف كوزنتسوف: إن ذلك أسهل كثيرًا من البحث في رسائل البريد الإلكتروني القديمة أو مطالبة الزملاء بإعادة إرسال الرسائل المهمة، ويقول: “سواء كنت مشاركًا بشكل مباشر في الحوار أو تكتفي بالمشاهدة من بعيد فحسب أو سوف تنضم إليه لاحقًا، يمكنك الحصول على المعرفة التي تحتاج إليها”.
التنفيس عن المشاعر
تقوم كثير من المختبرات بإنشاء قنوات مخصوصة لاحتواء الحكايات الهزلية الخاصة بها. كبرنامج مساعد يمكنه البحث في موقع جيفي Giphy عن صور متحركة تتناسب مع كلمة مفتاحية معينة، أو تشكيلة متنوعة من الرموز التعبيرية على سبيل المثال: مجموعة ببغاء الحفل، وهي مجموعة من رؤوس الببغاوات المتمايلة والمتحركة (go.nature.com/2hipfpi). تمتلك شركة جينجو بيووركس Ginkgo Bioworks قناة مخصصة لقناة اسكتشات الرائع الممثل بول رود على يوتيوب، تحت اسم #zany-4D3D3D3. ويوضح كاهون: “نطلق على تلك القناة اسم موطن النزوات”. كذلك يمتلك مختبر ماك آرثر قناة تسمى “قناة العناكب”، وهي قناة مخصصة لعرض الصور المتحركة المرعبة، تحديدًا للعناكب. يعترف ماك آرثر بقوله: “لست متأكدًا من سبب وجود هذه القناة”، رغم أنه يصرح بأن ارتياحه لرؤية العناكب ربما يكون مرجعه إلى نشأته في البيئة الأسترالية، ويضيف: “إنه أمر يمنحني متعة هائلة في كل مرة أنظر إلى تلك الصور، لأسباب لا أستطيع التعبير عنها لأي شخص”.
المصدر