المركبة المرِّيخية الجوّالة تمضي قُـدُمًا، رغم تحطُّم المركبة التجريبية

لقد انتهى دور وكالة الفضاء الأوروبية في مهمّة تغيير مسار قمر أحد الكويكبات.

نموذج أوّلي لمركبة

نموذج أوّلي لمركبة “إكسو مارس” الجوّالة، يَستكشِف منطقة تحاكي بيئة كوكب المرِّيخ.

Adrian Dennis/AFP/Getty

تمكّنت وكالة الفضاء الأوروبية من تأمين المبلغ اللازم لإنزال أول مركبة جوّالة لها على سطح كوكب المِرّيخ، رغم التكاليف المتزايدة، وإخفاق مركبة المريخ الاختبارية الخاصة بها “شياباريلي” Schiaparelli في شهر أكتوبر الماضي.

يقول دون ماكوي، مدير مشروع “إكسو مارس” ExoMars، الذي يشمل المركبة الجوّالة، ومركبة “شياباريلي” في وكالة الفضاء الأوروبية: “بعد أن عشنا خلال عام 2016 لحظاتٍ فارقة عديدة، منها ما كان مفعمًا بالتحدّيات، ومنها ما كان صعبًا، ومنها ما كان مجزيًا، فما نحن فيه الآن من ارتياح كبير هو نتيجة ممتازة لعمليات الاستكشاف الأوروبية للفضاء”.

كان إطلاق مركبة المريخ الجوّالة – وذلك في مشروع مشترك مع وكالة الفضاء الروسية “روس كوزموس” Roscosmos – قد تأجّل حتى عام 2020، بدلًا من تاريخ إطلاقه المزمع سابقًا 2018، ما كان سببًا محوريًّا لزيادة التكلفة. وقد بدا مستقبل بعثة المركبة الجوّالة المسمّاة “إكسو مارس 2020” أدْعى للقلق، بعد إخفاق مركبة “شياباريلي”، التي كانت مصمَّمة لاختبار قدرة أوروبا على إنزال مركبة فضائية على سطح الكوكب الأحمر.

وفي اجتماعٍ لوزراء من حكومات أوروبية في مدينة لوسرن في سويسرا في الأول والثاني من شهر ديسمبر الماضي، وافقت الدول الأعضاء في وكالة الفضاء الأوروبية على تقديم 339 مليون يورو إضافية (ما يعادل 365 مليون دولار أمريكي) لبعثة “إكسو مارس 2020″، إلى جانب تخصيص مليار يورو من قبل لبرنامج “إكسو مارس”. كما أعلنت الوكالة أنها ستجمع 97 مليون يورو إضافية، عن طريق تحركات داخلية لمواردها. وقال يان فورنر – المدير العام للوكالة – في لقاء صحفي بعد الاجتماع إن هذا سيُنجَز، “دون الإضرار” بالميزانية التي تخصصها الوكالة لإجمالي مشروعاتها العلمية. ويوفّر ذلك كله الـ436 مليونًا اللازمة لانطلاق البعثة “إكسو مارس 2020”.

تأمل وكالة الفضاء الأوروبية أن تتعلّم دروسًا مفيدة من مركبة “شياباريلي”، فمع بداية شهر ديسمبر الماضي، أكّدت الوكالة أن التحطّم كان سببه أخطاء حدثت في أنظمة المِجَسّات؛ جعلت المركبة تتصرّف كما لو كانت أقرب إلى سطح الكوكب مما كانت عليه بالفعل؛ ما أدّى إلى طرح “شياباريلي” لمظلّتها في وقت مبكّر جدًّا عن اللازم، قبل أن تهوي من ارتفاع بلغ حوالي 3.7 كيلومتر.

وقال ديفيد باركر، مدير قسم الطيران البشري الفضائي والاستكشاف بالروبوتات لدى الوكالة، والعامل في المركز الأوروبي للبحوث والتقنيات الفضائية في نوردفيك في هولندا: “من المفترض أن نكون قد تعلّمنا الكثير من «شياباريلي»، مما سيسهم بشكل مباشر في بعثة «إكسو مارس» الثانية”.

وإذا نجحت المركبة، فستكون هي الأولى من نوعها التي تديرها أوروبا أو روسيا على سطح المِرّيخ. وأهمّ ما يميّزها هو مثقاب يمكنه أن يمتد مسافة مترين، متيحًا للآلة أن تحفر لعمقٍ ربما تكون فيه أدلّةٌ محفوظة لوجود حياة قديمة على الكوكب الأحمر، محميّة من الإشعاعات القاسية الخاصة به.

إخفاق بعثة الكويكبات

يُذكر أن هذا الاجتماع الذي أُقِيم حمل معه كذلك أنباءً مؤسفة بشأن مشروع آخر. ولم تلتزم الدول الأعضاء في وكالة الفضاء الأوروبية بدفع مبلغ الـ250 مليون يورو، اللازم لتمويل خطة الوكالة للمشاركة في بعثة لتحريف مسار قمر أحد الكويكبات.

كانت “بعثة تصادم الكويكبات” AIM قد صُمّمت لاختبار استراتيجيةٍ لحماية كوكب الأرض من أي كويكبات متجهة نحوه، وذلك بتحريف مسارها قليلًا باستعمال القذائف. وتقول مصادر داخلية إن البعثة لم تتمكن من تجميع المبلغ المطلوب كله، بفارق عشرات الملايين من اليوروهات، أو نحو ذلك.

يقول باتريك ميشيل، المتخصص في علم الكواكب في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي في نيس، الذي يقود مشروع AIM: “لقد حُكِم على مشروعٍ جيد بالموت، بسبب انعدام الرؤية – ولو على المدى القصير – وانعدام الشجاعة، وهذا أمرٌ محزنٌ حقًّا”.

لو قُدِّرَ لمشروع AIM أن يرى النور؛ لكان قد أرسل مسبارًا، وقمرينِ صناعيين صغيرين يُعرفان باسم “كيوب سات” CubeSats، ومركبة فضائية للكويكب “ديديموس” Didymos. كان العلماء يعتزمون مشاهدة مركبة تابعة لوكالة “ناسا” من هناك، يُطلق عليها “اختبار إعادة توجيه الكويكب المزدوج”، تُسمى اختصارًا (DART)، في أثناء تحطُّمها إثر اصطدامها بصخرة يبلغ عرضها 165 مترًا، وتدور حول الكويكب، وتُدعى “ديديمون” Didymoon.

كانت وكالة الفضاء الأوروبية تأمل في أنْ تدرس كيف يمكن للاصطدام أن يغيّر مدار القمر. ففي عام 2022، سوف يكون كويكب “ديديموس” قريبًا من كوكبنا، بما يكفي لمراقبة انحرافه من على الأرض، ما يعني أنه يمكن لاختبار DART – الذي ينتظر هو الآخر الحصول على موافقة في شهر مارس من عام 2017 – أن يمضي وحده من غير مشروع AIM، لكن لو كان قد قُدِّر للمشروع أن يتم؛ لكانت مركبة وكالة الفضاء الأوروبية قد وفّرت معلومات أكثر تفصيلًا، على حد قول ميشيل.

وقد ترك فورنر الباب مفتوحًا لاستكشاف بعثات كويكبات أخرى مشابهة في المستقبل. كما أن الوزراء دعموا توفير كمية أقل من المال؛ لاستطلاع طرق لدفع مشروعات حماية الكواكب إلى الأمام، كما يقول.

إن إلغاء مشروع AIM يعني أنه لم تَعُد لدى وكالة الفضاء الأوروبية خطط لبعثات صغيرة الحجم للسنوات الـ15 القادمة على أقل تقدير؛ ما يمثّل إحباطًا مريرًا جدًّا، خاصة بعد نجاح بعثتها السابقة “روزيتا” Rosetta، التي دارت حول مذنَّب، ثم هبطت عليه. ولو أن مشروع AIM قد انطلق؛ لأصبح أول اختبار تجريه الوكالة الأوروبية للفضاء، للتواصل بواسطة الليزر في عمق الفضاء، وكذلك قمريها الصناعيين العابرَين للكواكب “كيوب سات”.

على العموم، استطاعت الوكالة الحصول على 10.3 مليار يورو من أصل مبلغ الـ11 مليار يورو الذي طلبته من الدول الاثنتين وعشرين الأعضاء فيها، وكذلك من سلوفينيا، وكندا، لتمويل مجموعة متنوّعة من البرامج. وقد شمل ذلك تمويلًا لمحطة الفضاء الدولية حتى عام 2024، ولبعثة رصْدٍ جوي فضائي مستقبلية، بالتعاون مع وكالة “ناسا” ووكالة الفضاء اليابانية “جاكسا”.

وقد وافق الوزراء كذلك على توفير مزيد من التمويل لخطط وُضعت لوكالة الفضاء الأوروبية، كي تعمل مع وكالة “روس كوزموس” على مركبة القمر الفضائية “لونا 27” Luna 27، وهو مشروع مشترك، كان قد طُرح لأول مرة في عام 2014.

وسوف تنفق وكالة الفضاء الأوروبية حوالي 30 مليون يورو على الأعمال التمهيدية للبعثة المزمع إطلاقها في عام 2020. ويأمل العلماء الأوروبيون وصناعة الفضاء في أوروبا في الإسهام بتوفير أجهزة للهبوط، والتواصل، والحفر، والتحليل للمركبة التي صُمِّمَت لدراسة التربة، والغلاف الجوي في القطب الجنوبي من القمر.

المصدر