اختبار تقنية “كريسبر” للتحرير الجيني على البشر

أَجْرَى علماء تجربةً مؤخرًا، قد توقد شرارة المنافسة في مجال الطب الحيوي بين الصين والولايات المتحدة.

يمكن بواسطة التحرير الجيني أن تتحسن قدرة الخلايا المناعية (الكروية) على مهاجمة السرطان.

يمكن بواسطة التحرير الجيني أن تتحسن قدرة الخلايا المناعية (الكروية) على مهاجمة السرطان.

Steve Gschmeissner/Science Photo Library

قامت مجموعة من الباحثين الصينين بإجراء يحدث لأول مرة، ألا وهو حَقْن إنسان بخلايا تحتوي على جينات تم تحريرها بتقنية “كريسبر-كاس9” CRISPR-Cas9 الثورية.

ففي الثامن والعشرين من شهر أكتوبر الماضي، قامت مجموعة من الباحثين بقيادة اختصاصي الأورام لُو يو – من جامعة سيتشوان في تشنجدو – بحَقْن مجموعة من الخلايا المعدَّلة في مريض يعاني من سرطان الرئة، وذلك ضمن تجربة إكلينيكية تم إجراؤها في مستشفى ويست تشاينا في تشنجدو.

وكانت التجارب السابقة على الخلايا التي تم تحرير جيناتها بتقنيات مختلفة قد أعطت نتائج واعدة في علاج الأمراض. ومع ظهور تقنية كريسبر، التي تتميز بالبساطة والكفاءة العالية، مقارنةً بالتقنيات الأخرى، فمِن المرجح أن تعمل على تسريع وصول الخلايا المعدلة جينيًّا إلى العيادات، حسب قول كارل جون، اختصاصي العلاج المناعي في جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا، وهو الباحث الرئيس في إحدى تلك الدراسات السابقة. ويضيف جون قائلًا: “أعتقد أن هذا سيعمل على تحفيز المهمة المسماة “سبوتْنِك 2.0″ Sputnik 2.0، التي تشهد منافسة شديدة بين الصين والولايات المتحدة في مجال الطب الحيوي، وهو أمر مهم بلا شك، إذ إن المنافسة غالبًا ما تحسِّن المنتج النهائي”.

كما يعمل جون مشرفًا علميًّا على تجربة خططَتْ لها الولايات المتحدة، تَستخدِم تقنية كريسبر؛ لاستهداف ثلاثة جينات في خلايا مأخوذة من عدد من المشاركين، وتهدف إلى علاج عدة أنواع من السرطان. ويتوقع جون أن تبدأ التجربة في بدايات هذا العام الحالي (2017). وفي حين يسعى فريق من جامعة بيكنج في بيكين للبدء في إجراء ثلاث تجارب إكلينيكية في مارس 2017 باستخدام كريسبر؛ لعلاج سرطانات المثانة، والبروستاتا، والخلايا الكلوية، إلا أن هذه التجارب لم تحصل بعد على الموافقات اللازمة، ولا على التمويل اللازم لها.

وقد حصلت دراسة لو على الموافقات الأخلاقية من لجنة مراجعة المستشفى في يوليو الماضي. وكان من المفترَض حَقْن المرضى في شهر أغسطس الماضي، ولكن تم تأجيل عملية الحقن، حسب قول لو، لأن زرْع الخلايا ومضاعفتها استغرق وقتًا أطول من المتوقَّع، ومن ثم حل وقت العُطَل في شهر أكتوبر في الصين.

قام الباحثون بإزالة بعض الخلايا المناعية من دم المتلقي، ثم عملوا على تعطيل أحد الجينات بواسطة تقنية كريسبر-كاس9، التي تستطيع في آن واحد الجمْع بين فاعلية الإنزيم القاطع للحمض النووي، وبين التحكم الجزيئي، الذي يمكن من خلاله توجيه الإنزيم بدقة إلى الموضع الذي يجب أن يقطع عنده. يحمل الجين الذي تم تعطيله شفرة تصنيع بروتين “PD-1″، الذي يكبح الاستجابة المناعية للخلايا في الوضع الطبيعي، ويستغل السرطان ذلك الكبح المناعي ليتكاثر.

عمل فريق لو بعد ذلك على زراعة الخلايا المعدلة، بغرض زيادة عددها، ومن ثم إعادة حقنها في المريض الذي يعاني من سرطان الرئة، من النوع الذي يتميز بخلايا غير صغيرة، وذلك على أمل أن تقوم الخلايا التي لا تحوي بروتين “PD-1” بمهاجمة خلايا السرطان؛ والقضاء عليها.  

ويرى لو أن المعالجة سَرَت على ما يرام، وسيتلقى المشارِك الحقنة الثانية، ورفض إعطاء المزيد من التفاصيل، حفاظًا على خصوصية المريض. ويخطِّط الفريق لعلاج عشرة مرضى، يتلقى كل منهم حقنتين، أو ثلاث، أو أربع. وتهدف التجربة مبدئيًّا إلى تحديد ما إذا كانت هذه الطريقة آمنة، أم لا، وستتم مراقبة المشاركين لستة أشهر؛ لتحديد ما إذا كانت الحُقَن تسبِّب أيّ آثار جانبية خطيرة، أم لا. كما يخطط فريق لو لمراقبتهم بعد تلك الفترة؛ لتحديد مدى استفادتهم من العلاج.

ويبدو اختصاصيو الأورام الآخرون سعداء بظهور كريسبر في ساحة علاجات السرطان. يقول ناير ريزفي، من مركز جامعة كولومبيا الطبي في مدينة نيويورك: “إنّ الوصول إلى تقنية تمكِّننا من تحقيق ذلك يبدو مذهلًا”. ويضيف أنتونيو روسو – من جامعة باليرمو في إيطاليا – قائلًا إن وجود أجسام مضادة تعادل البروتين “PD-1” يستطيع أن يُبْقِي سرطان الرئة تحت السيطرة، مما يبشر بنتائج جيدة لاستراتيجية مهاجمة البروتين عبر تقنية كريسبر. ويقول: “إنها استراتيجية مدهشة، والمنطق الذي تعتمِد عليه قوي جدًّا”.

ويتساءل ريزفي عما إذا كانت هذه التجربة تحديدًا ستلاقي نجاحًا، أم لا، فعملية استخراج الخلايا وتعديلها وراثيًا ومضاعفتها، هي – في اعتقاده – “مهمة صعبة للغاية، وغير قابلة للتطبيق على نطاق أوسع، وما لم تثبت فعالية عالية؛ سيكون من الصعب إيجاد مبررات للاستمرار فيها”. ويشكِّك ريزفي في تفوق هذه الطريقة على استخدام الأجسام المضادة التي يمكن مضاعفة عددها بكميات غير محدودة في المختبر. ويرد لو بأنّ هذا السؤال تم أخْذه في الاعتبار أثناء التجربة، ولكن الوقت ما زال مبكرًا لتحديد أيّ الطرق أفضل. 

المصدر