رسم خريطة مايكروبيوم التربة الأفريقية

يمكن لمشروع جنوب الصحراء الكبرى أن يساعد النظم البيئية يومًا ما؛ كي تقاوم تغيُّر المناخ، وتُحَسِّن الممارسات الزراعية.

تؤثر البكتيريا والفطريات الموجودة في التربة على قدرة أيّ نظام بيئي على دعم المحاصيل الزراعية.

تؤثر البكتيريا والفطريات الموجودة في التربة على قدرة أيّ نظام بيئي على دعم المحاصيل الزراعية.

Sven Torfinn/Panos

مِن شأن أَلْف كيس مغلق تحوي عيِّنات تربة مجمَّعة من عشر دول أن تشكِّل نواة أول مسح واسع النطاق للحياة الميكروبية الموجودة تحت الأرض في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية. يأمل قادة المشروع الأفريقي لعلم الأحياء الدقيقة الخاص بالتربة أن تساعد البياناتُ يومًا ما في تحسين الممارسات الزراعية، وحماية النظم البيئية والمحاصيل؛ لمواجهة تغيُّر المناخ.

يقول دون كووان، مدير مركز علم الميكروبات البيئي والجينومي في جامعة بريتوريا في جنوب أفريقيا “إن التربة مهمة، وتُعَدّ جودتها الصحية أمرًا حيويًّا ومهمًّا لحياة الإنسان والحيوان”. وقد أُطلق المشروع في الثامن من أكتوبر الماضي في الاجتماع الأول للاتحاد في بريتوريا.

يدرك الباحثون يومًا بعد يوم أهمية ميكروبات التربة للبيئة وللزراعة. تستعمر بعض أنواع البكتيريا والفطريات جذور النباتات، مما يؤدي إلي تعزيز نموها، كما تساعد مجموعات متنوعة من ميكروبات التربة في تنظيم مناخ النظم البيئية، وتحافظ على خصوبة التربة وقدرتها على دعم المحاصيل. وتقوم شركات التكنولوجيا الحيوية الآن – بما فيها شركة “مونسانتو” – باختبار قدرة الإضافات التي تحتوي على ميكروبات التربة على تحسين الإنتاجية الزراعية.

ورغم ذلك، فإن التنوع والعدد الهائل من ميكروبات التربة، ومدى اختلاف المجموعات حول العالم، هي أمور ليست مفهومة بشكل جيد، كما يقول نواه فييرر، عالِم البيئة الميكروبية في جامعة كولورادو في بولدر، الذي يُجْرِي أبحاثًا على الميكروبات في بيئات متنوعة. في عام 2014، كشفت دراسة لحديقة سنترال بارك في نيويورك أن غالبية الميكروبات الموجودة في تربتها هي ميكروبات جديدة لم تطرأ على مجال العلوم من قبل. ويضيف فييرر: “والمفاجأة أننا لا نعرف سوى القليل عن مايكروبيوم التربة”.

يُعتبر ذلك صحيحًا بصفة خاصة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية، فجنوب أفريقيا – وهي الرائد العلمي في المنطقة – لها تاريخ طويل في علوم التربة، إلا أنه حتى الآن يركِّز الباحثون فيها على دراسة كيمياء التربة، بدلًا من ميكروباتها، إلا أنه من المناسب – خاصة الآن – فهْم المايكروبيوم الخاص بالتربة، وتأثيره على المحاصيل، إذ إنه من المتوقع أن تتأثر المجتمعات الميكروبية بتغيُّر المناخ.

سيقوم المشروع الأفريقي – المموَّل من قِبَل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) – بأخْذ عينات من جنوب أفريقيا، وناميبيا، وبوتسوانا، وزيمبابوي، وموزمبيق، وزامبيا، وكينيا، وإثيوبيا، وكوت ديفوار، ونيجيريا.

“والمفاجأة أننا لا نعرف سوى القليل عن مايكروبيوم التربة”.

وتهدف المبادرة – التي ستستمر لثلاث سنوات – إلى عمل مسح واسع لكيمياء التربة، وما تحويه من كائنات دقيقة عبر عدد من المناطق والظروف المناخية المختلفة. سيقوم باحثو المبادرة – بقيادة كووان – باستخدام ظروف المناخ، والطوبوغرافيا، والجيولوجيا؛ لاختيار 1000 موقع لجمْع العيِّنات؛ للحصول على الحد الأقصى من التنوع. وسيقومون في كل موقع بتسجيل بيانات عن المنطقة، بما في ذلك درجة الحرارة، وارتفاعها عن سطح البحر، وسيقومون بالتقاط صور للموقع، وبالحَفْر فيها لجمْع العينات، التي سوف تُرسَل إلى مختبر كووان في جنوب أفريقيا. وسيكون كل بلد مسؤولًا عن مجموعة العينات الخاصة به، باستخدام طريقة قياسية موحدة بين الجميع.

سيقوم فريق كووان – بالتعاون مع باحثين آخرين مبعوثين من الدول الشريكة – باستخراج الحمض النووي من العينات، وزيادة عدد نسخ الأجزاء التي تحوي أي علامات تشير إلى كونه يخصّ نوعًا ما من البكتيريا، ووضع تسلسلها. ويتوقع الباحثون أن يجدوا جينومات بكتيرية غير معروفة، وأخرى معروفة. ومِن المقرر أن يقوموا فيما بعد في المرحلة التالية من المشروع بدراسة فطريات التربة، إلا أن هناك تحديات عملية تقف أمامهم، فزيمبابوي تخضع حاليًّا لعقوبات مفروضة من قِبل الولايات المتحدة، وهي ليست مؤهلة للحصول على دعم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؛ ولذا يجب على كووان إيجاد مصدر تمويل بديل لأخْذ العينات من هناك. كما أن المشروع قد يتعارض مع تشريعات منْع القرصنة البيولوجية، التي تمنع نقل العينات عبر الحدود. يقول كووان: “إذا ثبت أنه من المستحيل الحصول على جميع التراخيص اللازمة من الدول الشريكة، فسيتعيَّن علينا ترك تلك الدول جانبًا”.

يمثل المشروع “خطوة أساسية لتحديد التنوع الموجود في مايكروبيوم التربة، ورسم خرائط للتنوع البيولوجي المتخفي، والموجود تحت الأرض”، كما يقول فييرر. وبرغم أهمية هذا النوع من البيانات في إنشاء قاعدة أساس لمزيد من الدراسات، فإنها لا تقدِّم إلا فهمًا سطحيًّا للمايكروبيوم، كما تشير سيمونا رادوتويو، المتخصصة في الأحياء الجزيئية في النبات بجامعة آرهوس في الدنمارك. ويتضمن عملها دراسات متعمقة لكيفية تفاعُل بكتيريا التربة مع النباتات، وهو أمر ضروري لفهْم دور الميكروبات في صحة النباتات. وتقول: “هذه مبادرة جيدة جدًّا.. لكنها مجرد بداية، وينبغي استمرارها، وتطورها، واستدامتها”.

يقر كووان بأن “التوقعات ليست عظيمة، لكن حداثة الفكرة شيء هائل”. ويضيف: “لا نملك الموارد للقيام بالتغطية والتحاليل التي من شأنها أن تأخذ المشروع إلى مستوى أكثر تطورًا”.

ويأمل كووان أن يتطور المشروع عندما يتم تدريب مزيد من العلماء الأفريقيين لعمل تحاليل للمايكروبيوم؛ مما يسمح بجمع مزيد من العينات بدقة أعلى. ويقول: “نحن نعلم أن شركاءنا يبذلون جهدًا كبيرًا لبناء مختبرات متطورة، وأننا لا نستطيع مساعدتهم على بناء مختبراتهم، لكنْ يمكننا استقدام الطلاب إلى هنا؛ لتدريبهم على الجوانب العملية”.

المصدر