التفاعلات بين ثنائيات الأقطاب المغناطيسية لذرات الديسبروسيوم في غاز فائق البرودة يمكن أن تُنتِج قطرات ذاتية الترابط، وهذا من شأنه أن يوفر نظامًا معزولًا جيدًا؛ لبحث خصائص ميكانيكا الكم للغازات فائقة البرودة.
يتم إنتاج الغازات الذرية فائقة البرودة في درجة حرارة أقل من ميكروكلفن واحد، وتكون أقل كثافة بسبع إلى ثماني رتب أُسِّيَّة من السوائل التقليدية، مثل الماء1. ومع ذلك.. ونظرًا إلى أن الطاقة الحركية لتلك الغازات التي تهيمن عليها التفاعلات بين ذراتها، فإنها تسلك سلوكًا يشبه سلوك السوائل، بل وحتى الميوعة الفائقة – النقل دون احتكاك – في درجات حرارة تقترب من الصفر المطلق. ومن ثم، تتصرف هذه الأنظمة مثل الغازات، (حيث تتمدد بحُرِّيَّة في ظل عدم وجود مصائد غاز)، وأيضًا مثل الهيليوم السائل فائق الميوعة؛ ولذلك يسميها علماء الفيزياء بالموائع الكَمِّيَّة. وفي دراسة نشرتها دورية Nature، يوضح شميت وزملاؤه2 أنه عند حدوث تفاعلات بين ثنائيات الأقطاب المغناطيسية، فإن الموائع الكمية تُظهِر سمة أخرى من السمات المعتادة في السوائل؛ حيث تشكِّل قطيرات.
في الغازات الذرية فائقة البرودة، يمكن أن تنشأ تفاعلات ثنائية القطب-ثنائية القطب، لأن الذرات تمتلك عزمًا ثنائي القطب مغناطيسيًّا صغيرًا، ولكنه ليس صفريًّا. وعادةً يكون التفاعل ثنائي القطب-ثنائي القطب المصاحب صغيرًا للغاية بالنسبة إلى القوة قصيرة المدى بين الذرات؛ تفاعل فان دير فالس. وعلى أية حال، هناك عدد قليل من الذرات التي يمكن أن يكون للتفاعلات ثنائية القطب-ثنائية القطب بها سعات كبيرة بشكل غير طبيعي. وفي وقت سابق من هذا العام، أظهر شميت ومجموعة من زملائه أن الغاز فائق البرودة من ذرات الديسبروسيوم – الذي حُبس في مصيدة غاز، تكوَّنَت نتيجة لشعاع ليزر شديد التركيز – يخضع لتغيُّر جوهري، إذا كانت التفاعلات ثنائية القطب-ثنائية القطب كبيرة بما فيه الكفاية بالنسبة إلى التفاعلات قصيرة المدى3، فبدلًا من أن يملأ الغاز المصيدة بشكل متجانس، تظهر ترتيبات منتظمة للقطيرات بشكل تلقائي (الشكل 1أ).

الشكل 1 | القطيرات الكمية. نجح شميت وزملاؤه2 في تكوين قطيرات من غاز فائق البرودة من ذرات الديسبروسيوم. (أ) أوضح الفريق البحثي3 سابقًا أن هذه الذرات – عند احتوائها في مصيدة غاز – تشكِّل ترتيبًا منتظمًا من القطيرات، إذا كانت التفاعلات ثنائية القطب-ثنائية القطب بين الذرات كبيرة بما يكفي بالنسبة إلى التفاعلات قصيرة المدى. (ب) وفي البحث الحديث الذي أجراه شميت وزملاؤه، نجحوا في إنتاج قطيرات فردية ذاتية الترابط. وفي مصيدة الغاز، وُجدت القطيرات السائلة مع الذرات في الطَّوْر الغازي، ولكنْ بعد إزالة المصيدة، تَمَدَّد الغاز بسرعة.
يرتبط الاستعداد لتكوين بِنَى ارتباط وثيق بالطبيعة بعيدة المدى للتفاعلات ثنائية القطب-ثنائية القطب. وفي الواقع، تتقاسم أنظمة عديدة – تتفاعل عناصرها مع بعضها البعض على مسافات بعيدة نسبيًّا – الميل إلى تشكيل ترتيبات ذاتية التجمع. وتتراوح الأمثلة المعروفة من الأنظمة الفيزيائية الفلكية التي تحركها قوى الجاذبية إلى الأنظمة المجهرية، مثل البلورات ذاتية التنظيم من الأيونات فائقة البرودة، التي شكلتها القوى الكهروستاتيكية4. وفي حالة التفاعلات ثنائية القطب-ثنائية القطب، من المتوقع أن تكون البِنَى المستقرة حساسة لهندسة المصائد، لأن المجالات المغناطيسية المرتبطة بثنائيات الأقطاب تكون غير متماثلة الخواص (معتمدة على الاتجاه).
في تلك الدراسة، يقدم شميت وزملاؤه تعديلين دقيقين على نظامهم السابق. ففي البداية، قاموا بتكوين مصيدة ممتدة في اتجاه موازٍ لثنائيات الأقطاب المغناطيسية للذرات. وبدلًا من مجموعة من القطرات، يكوِّن الغاز الذري قطرات مفردة “ذاتية الترابط”، (الشكل 1ب).
أمّا التغيير الثاني والحاسم، الذي استحدثه شميت وزملاؤه، فهو إزالة المصيدة، بعد أن تم إنتاج القطرات، ليحل محلها تدرُّج مجال مغناطيسي بسيط، دوره الوحيد هو أن يعادل تأثير الجاذبية. ويمكن النظر إلى هذا على أنه وسيلة غير مكلفة لإجراء التجربة في الجاذبية الميكروية. وبدلًا من التمدد في الفضاء، مثل الغاز العادي، تبقى القطيرات متمركزة في مكانها؛ ويرجع هذا إلى أن التفاعلات ثنائية القطب-ثنائية القطب بين الذرات توفر التجاذب والتماسك، بطريقة مشابهة للروابط الهيدروجينية بين جزيئات H2O في الماء.
ربما يكون أحد أكثر الجوانب المثيرة للاهتمام في عمل شميت وزملائه هو إثبات أن هناك عددًا حرجًا من الذرات، بدونه تصبح القطيرات السائلة غير مستقرة، وتتحول إلى غاز. وهذا التحول الطَّوْري يُعتبر واحدًا من أول التحولات التي تجري ملاحظتها في تجربة الذرات الباردة، دون مصائد. ولفَهْم هذا التحول، من الضروري أن نفسر لماذا يمكن للقطيرات السائلة أن تكون مستقرة في المقام الأول. لقد لاحظ الباحثون القطيرات ذاتية الترابط عندما كان من المتوقَّع أن يؤدي التوازن بين التفاعلات الطاردة قصيرة المدى والتفاعلات الجاذبة بعيدة المدى إلى انهيارها. ومع ذلك.. لم يحدث الانهيار، لأن تفاعلات فان دير فالس، والتفاعلات ثنائية القطب-ثنائية القطب خلقت تقلُّبات كمية6،5. تمارس هذه التقلبات ضغطًا على القطيرات، يزداد بسرعة مع الكثافة، وبالتالي فهو كافٍ لضمان الاستقرار فقط إذا كان عدد الذرات كبيرًا بما فيه الكفاية.
الإضافة الجديدة الأساسية في عمل الباحثين هي أن قطيراتهم المخففة للغاية كانت ذاتية الترابط؛ وهي خاصية تشبه البِنَى الموجية المنعزلة. وقد سُميت الموجات المنعزلة بهذا الاسم، نسبةً إلى أمواج المياه “المنعزلة” غير المشتتة، ولكنها معروفة في علم البصريات، وتوجد أيضًا في سياق غازات “بوز” الكمية، إذا كان التفاعل قصير المدى بين الجسيمات جاذبًا7. ومع ذلك.. فإن هذه الموجات المنعزلة غير مستقرة في الأبعاد الثلاثية بدون عزل، في حين أثبت الباحثون أن القطيرات التي توصلوا إليها مستقرة تمامًا، حتى بدون وجود مصيدة. وهذه الميزة على الموجات المنعزلة قد تعني أن تجد القطرات تطبيقات عملية – على سبيل المثال ت في قياس التداخل الذري، وهي تقنية قياس (على أساس التداخل بين موجات ميكانيكا الكَمّ للمادة)، يمكن فيها استخدام الأجسام ذاتية الترابط؛ لزيادة سطوع مقياس التداخل8.
تبقى قطيرات شميت وزملائه السائلة في حالة توازن مع الذرات في الطَّوْر الغازي، طالما تم الحفاظ على العزل. وكان من أبرز ملاحظات الباحثين أن غالبية الإثارات النشطة سرعان ما تترك القطيرة بعد إزالة المصيدة؛ أي أن المرحلتين منفصلتان، لأنه في وقت تمدُّد الغاز، يبقى السائل في مكانه. وعلى الرغم من أن مدى برودة تلك القطيرات غير معروف، فإنّ تبخُّر الغاز سيؤدي – على الأرجح – إلى انخفاض درجة حرارة السائل انخفاضًا هائلًا9. وبالتالي، يمكن تصوُّر التطبيقات التي تُستخدم فيها الحالة السائلة كمحلول تبريد للغازات الكمية الأخرى. وبالنسبة إلى مثل هذه التطبيقات وغيرها، سيكون من الضروري إيجاد وسيلة لزيادة متوسط عمر القطيرات؛ حيث إنه في الوقت الراهن، يقتصر متوسط عمرها على حوالي 0.1 ثانية، بسبب التكون التلقائي للجزيئات، نتيجة الاصطدامات ثلاثية الذرات.
المصدر